كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وله عن ابن نمير عن الأعمش فعل الله بك وفعل، ومثله للترمذي من رواية عيسى بن يونس. ولمسلم من رواية أبي معاوية: فزبره. ولأبي داود من رواية جرير: فسبّه وغضب، إلى أن قال: وأخذ من إنكار عبد الله على ولده تأديب المعترض على السنن برأيه، وهو اعتراف منه أيضًا بأنّ من خالف الحديث المذكور معترض على السنن برأيه.
وبه تعلم أن ما قدّمنا عنه من كون الأمر بالإذن لهن إلى المساجد ليس للوجوب اعتراض على السنن بالرأي كما ترى.
وبما ذكرنا أن الدليل قد دلّ من السنة الصحيحة على وجوب الإذن للنساء في الخروج إلى المساجد كما ذكرنا، ويؤيده أن ابن عمر لم ينكر أحد من الصحابة تشنيعه على ولديه كما أوضحناه آنفًا. والعلم عند الله تعالى.
وإذا علمت أن ما ذكرنا من النصوص الصريحة في الأمر بالإذن لهن يقتضي جواز خروجهن إلى المساجد، فاعلم أنه ثبت في الصحيح أنهنّ كنّ يخرجن إلى المسجد، فيصلين مع النبي صلى الله عليه وسلم. قال البخاري رحمه الله في صحيحه: حدثنا يحيى بن بُكير قال: أخبرنا الليث، عن عُقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني عُرْوَة بن الزُّبير: أنّ عائشة رضي الله عنها أخبرته قالت: كُنّ نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاةَ الفجر منلفعات بمطروطِهنَ، ثم ينقَلبن إلى بيوتهن حين يقضينَ الصلاة لا يعرفُهُنَّ أحدٌ مِن الغَلَس اهـ. وهذا الحديث أخرجه أيضًا مسلم وغيره. وقد جاءت أحاديث صحيحه في الصحيحين وغيرهما دالة على ما دل عليه حديث عائشة هذا المتفق عليه من كون النساء كنّ يشهدن الصلاة المسجد معه صلى الله عليه وسلم.
تنبيه:
قد علمت مما ذكرنا في روايات حديث ابن عمر المتفق عليه: أنّ في بعض رواياته المتفق عليها تقييد أمر الرجال بالإذن للنساء في الخروج إلى المسجد باللّيل، وفي بعضها الإطلاق وعدم التقييد بالليل، وهو أكثرالروايات كما أشار له ابن حجر في الفتح.
وقد يتبادر للناظر أن الأزواج ليسوا مأمورين بالإذن للنساء إلا في خصوص الليل، لأنه استر، ويترجّح عنده هذا بما هو مقرر في الأصول من حمل المطلق على المقيّد، فتحمل روايات الإطلاق على التقييد بالليل فيختصّ الإذن المذكور باللّيل.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الأظهر عندي تقديم روايات الإطلاق وعدم التقييد بالليل لكثرة الأحاديث الصحيحة الدالة على حضور النساء الصلاة معه صلى الله عليه وسلم في غير الليل، كحديث عائشة المتفق عليه المذكور آنفًا الدال على حضورهن معه صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، وهي صلاة نهار ولا ليل، ولا يكون لها حكم صلاة الليل، بسبب كونهنّ التقييد باللّيل، والعلم عند الله تعالى.
وأما ما يشترط في جواز خروج النساء إلى المساجد فهو المسألة الرابعة.
اعلم أن خروج المرأة إلى المسجد يشترط فيه عند أهل العلم شروط يرجع جميعها إلى شيء واحد، وهو كون المرأة وقت خروجها للمسجد ليست متلبسة بما يدعو إلى الفتنة مع الأمن من الفساد.
قال النووي في شرح مسلم في الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» ما نصّه: هذا وما أشبهه من أحاديث الباب ظاهر في أنها تمنع المسجد، ولكن بشروط ذكرها العلماء مأخوذة من الأحاديث، وهي ألا تكون متطيبة، ولا متنزينه، ولا ذات خلاخل يسمع صوتها، ولاثياب فاخرة، ولا مختلطة بالرجال، ولا شابه ونحوها. ممن يفتتن بها، وألا يكون في الطريق ما يخاف منه مفسدة ونحوها. انتهى محل الغرض من كلام النووي.
قال مقيدة عفا الله وغفر له: هذه الشروط التي ذكرها النووي وغيره منها ما هو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها ما لا نص فيه، ولكنه ملحق بالمنصوص لمشاركته له في علته، وإلحاق بعضها لا يخلو م مناقشة كما سترى إيضاح ذلك كلّه إن شاء الله تعالى. أما ما هو ثابت عنه صلى الله عليه وسلم من تلك الشروط، فهو عدم التطيّب، فشرط جواز خروج المرأة إلى المسجد ألاّ تكون متطيبة.
قال مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه: حدثنا هارون بن سعيد الأيليُّ، حدثنا ابن وَهبْ، أخبرني مخرمة، عن أبيه عن بُسرِ بن سعيد أن زَينب الثقفية كانت تُحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال «إذا شَهَدَتْ إحداكُنَّ العشاء، فلا تطيِّب تلك الليلة».
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن محمد بن عجلان حدثني بكير بن عبد الله الأشج، عن بُسر بن سعيد، عن زينب امرأة عبد الله قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمسَّ طيبًا».
حدثنا يحيى بن يحيى وإسحاق بن إبراهيم، قال يحيى: أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي فَرْوة، عن يزيد بن خُصَيْفَة، عن بُسر بن سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأةٍ أصابت بخورًا فلا تَشهد معنا العشاء الآخرة» اهـ. فهذا الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن صحابين، وهما: أبو هريرة، وزينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عن جميع، صريح في أن المتطيّبة ليس لها الخروج إلى المسجد، ويؤيِّد ذلك ما رواه أبو داود في سننه: حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حمّاد عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن وهن تفلات» اهـ. وقوله: وهنّ تفلات: أي غير متطيبات. وقال النووي في شرح المهذب في هذا الحديث وراه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم. وتفلات بفتح التاء المثناة فوق وكسر الفاء: أي تاركات الطيب اهـ. ومنه قول امرئ القيس:
إذا ما الضجيع ابتزها من ثيابها ** تميل عليه هونة غير متغالي

وهذا الحديث أخرجه أيضًا الإمام أحمد وابن خزيمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه ابن حبّان من حديث زيد بن خالد. قاله الشوكاني وغيره.
وإذا علمت أن هذه الأحاديث دلّت على المتطيِّبة ليس لها الخروج إلى المسجد، لأنها تحرِّك شهوة الرجال بريح طيبها.
فاعلم أن أهل العلم ألحقوا بالطيب ما في معناه كالزينة الظاهرة، وصوت الخلخال والثياب الفاخرة، والاختلاط بالرجال، ونحو ذلك بجامع أن الجميع سبب الفتنة بتحريك شهوة الرجال، ووجهه ظاهر كما ترى. وألحق الشافعيّة بذلك الشابة مطلقًا، لأن الشباب مظنَّة الفتنة، وخصصوا الخروج إلى المساجد بالعجائز. والأظهر أن الشابة إذا خرجت مستترة غير متطيِّبة، ولا متلبِّسة بشيء آخر من أسباب الفتنة أن لها الخروج إلى المسجد لعموم النصوص المتقدّمة. والعلم عند الله تعالى.
المسألة الخامسة: اعلم أن صلاة النساء في بيوتهن أفضل لهنّ من الصلاة في المساجد، ولو كان المسجد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وبه تعلم أن قوله صلى الله عليه وسلم: «صلاة في مسجدي هذا، خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» خاص بالرجال، أما النساء فصلاتهنّ في بيوتهن خير لهن من الصلاة في الجماعة في المسجد.
قال أبو داود في سننه: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا يزيد بن هارون، أخبرنا العوام بن حوشب، حدثني حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا نساءكم المساجدّ وبيوتُهنَّ خيرٌ لهنَّ» وقال النووي في شرح المهذب في هذا الحديث: وحديث ابن عمر صحيح رواه أبو داود بلفظه هذا، بإسناد صحيح على شرط البخاري اهـ.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا الإمام أحمد. وقال ابن حجر في فتح الباري: وقد ورد في بعض روايات هذا الحديث وغيره، ما يدلّ على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، وذلك في رواية حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر بلفظ «لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن» أخرجه أبو داود، وصححه ابن خزيمة، وأحمد والطبراني من حديث أم حميد الساعدية أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أحبُّ الصلاة معك، فقال:
«قد علمتُ وصلاتك في بيتك خيرٌ لكِ من صلاتك في حُجرتك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجد الجماعة» وإسناد الأمن فيه من الفتنة. انتهى محل الغرض من كلام ابن حجر.
وحديث ابن مسعود الذي أشار له هو ما رواه أبو داود في سننه: حدثنا ابن المثنى، أن عمرو بن عاصم حدثهم قال: ثنا همام عن قتادة، عن مورق عن أبي الأحوص، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حُجرتها وصلاتها في مُخدعها أفضل من صلاتها في بيتها» اهـ.
وقال النووي في شرح المهذب في هذا الحديث: رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم، وقد روى أحمد عن أم سلمة عنه صلى الله عليه وسلم: «خير مساجد النساء قعر بيوتهن».
وبما ذكرنا من النصوص تعلم أن صلاة النساء في بيوتهن أفضل لهن من صلاتهن في الجماعة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وغيره من المساجد لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومما يؤكد صلاتهن في بيوتهن ما أحدثنه من دخول المسجد في ثياب قصيرة هي مظنًّة الفتنة، ومزاحمتهنَّ للرجال في أبواب المسجد عند الدخول والخروج، وقد روى الشيخان في صحيحهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: لو أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى من النساء ما رأينا، لمنعهنَّ منَ المسجد كما مَنَعت بنو إسرائيل نساءَها.
وقد علمت مما ذكرنا من الأحاديث أن مفهوم المخالفة في قوله تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بالغدو والآصال} الآية معتبر، وأنه ليس مفهوم لقب، وقد أوضحنا المفهوم المذكور بالسنة كما رأيت. والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القلوب والأبصار}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الرجال الذين يسبحون له في المساجد بالغدو والآصال، إلى آخر ما ذكر من صفاتهم: أنهم يخافون يومًا تتقلب فيه القلوب والأبصار، وهو يوم القيامة لشدة هوله، وما دلّت عليه هذه الآية الكريمة من عظم هول ذلك اليوم، وتأثيره في القلوب والأبصار، جاء في آيات كثيرة من كتاب الله العظيم كقوله تعالى: {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ} [النازعات: 89] وقوله تعالى: {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار} [إبراهيم: 42] وقوله تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الأزفة إِذِ القلوب لَدَى الحناجر} [غافر: 18] الآية. ونحو ذلك من الآيات الدالة على عظم ذلك اليوم كقوله تعالى: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الولدان شِيبًا السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا} [المزمل: 1718] الآية. وقوله تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} [الإنسان: 910] إلى غير ذلك من الآيات. وفي معنى تقلب القلوب والأبصار أقوال متعددة لأهل التفسير، ذكرها القرطبي وغيره.
وأظهرا عندي: أن تقلب القلوب هو حركتها من أماكنها من شدّة الخوف كما قال تعالى: {إِذِ القلوب لَدَى الحناجر} [غافر: 18] وأن تقلب الأبصار هو زيغوغتها ودورانها بالنظر في جميع الجهات من شدة الخوف، كما قال تعالى: {فَإِذَا جَاءَ الخوف رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدورُ أَعْيُنُهُمْ كالذي يغشى عَلَيْهِ مِنَ الموت} [الأحزاب: 19] الآية. وكقوله تعالى: {وَإِذْ زَاغَتِ الأبصار وَبَلَغَتِ القلوب الحناجر} [الأحزاب: 10] فالدوران والزيغوغة المذكوران يعلم بهما معنى تقلب الأبصار، وإن كانا مذكورين في الخوف من المكروه في الدنيا.
قوله تعالى: {لِيَجْزِيَهُمُ الله أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ}.
الظاهر أن اللام في قوله: {لِيَجْزِيَهُمُ} متعلقة بقوله: {يُسَبِّحُ} أي يسبحون له، ويخافون يومًا ليجزيهم الله أحسن ما عملوا. وقوله في هذه الآية الكريمة: ويزيدهم من فضله، الظاهر أن هذه الزيادة من فضله تعالى، هي مضاعفة الحسنات، كما دل عليه قوله تعالى: {مَن جَاءَ بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]، وقوله تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء: 40]، وقوله تعالى: {والله يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ} [البقرة: 261].
وقال بعض أهل العلم: الزيادة هنا كالزيادة في قوله: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] والأصح: أن الحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم، وذلك هو أحد القولين في قوله تعالى: {لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 3].
وقد قدمنا قول بعض أهل العلم: أن قوله تعالى: {لِيَجْزِيَهُمُ الله أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ} ونحوها من الآيات يدل على أن المباح حسن، لأن قوله: أحسن ما عملوا صيغة تفضيل، وأحسن ما عملوا هو ما تقرّبوا به الى الله من الواجبات والمستحبات، وصيغة التفضيل المذكور تدل على أن من أعمالهم حسنًا لم يجزه وهو المباح. قال في مراقي السعود:
ما ربُّنا لم يَنْهُ عَنه حَسَن ** وغيرُه القبيحُ والمستهجنُ

. اهـ.